فصل: باب التعديل بين الأولاد في العطية والنهي أن يرجع أحد في عطيته إلا الوالد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 كتاب الهبة والهدية

 باب افتقارها إلى القبول والقبض وأنه على ما يتعارفه الناس

1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏قال لو دعيت إلى كراع أو ذراع لاجبت ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت‏)‏ ‏.‏

رواه البخاري‏.‏

2 - وعن أنس قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لوأهدى إلي كراع لقبلت ولو دعيت عليه لاجبت‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

في الباب عن أم حكيم الخزاعية عند الطبراني قالت ‏(‏قلت يا رسول اللّه تكره رد اللطف قال ما أقبحه لو أهدى إلى كراع لقبلت‏)‏ قال في القاموس اللطف بالتحريك اليسير من الطعام قوله‏:‏ ‏(‏كتاب الهبة‏)‏ بكسر الهاء وتخفيف الموحدة قال في الفتح تطلق بالمعنى الأعم على الأنواع الأبراء وهو هبة الدين ممن هو عليه والصدقة وهي هبة ما يتمحض به طلب ثواب الآخرة والهدية وهي ما يلزم به المرهون له عوعوضه ومن خصها بالحياة اخرج الوصية وهي تكون إيضا بالأنواع الثلاثة وتطلق الهبة بالمعنى الأخص على ما لا يقصد له بدل وعليه ينطبق قول من عرف الهبة بأنها تمليك للا عوض اه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والهدية‏)‏ بفتح الهاء وكسر الدال المهملة بعدها ياء مشددة ثم تاء تأنيث قال في القاموس الهدية كغنيمة ما أتحف به‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إلى كراع‏)‏ هو ما دون الكعب من الدابة‏.‏ وقيل هو اسم مكان قال الحافظ ولا يثبت ويرده حديث أنس وحديث أم حكيم المذكوران وخص الكراع والذراع بالذكر ليجمع بين الحقير والخطير لأن الذراع كانت أحب إليه من غيرها والكراع لا قيمة له وفي المثل اعط العبد كراعا يطلب ذراعا هكذا في الفتح والظاهر أن مراده صلى اللّه عليه وآله وسلم الحض على إجابة الدعوة ولو كانت إلى شيء حقير كالكراع والذراع وعلى قبول الهدية ولو كانت شيئا حقيرا من كراع أو ذراع وليس المراد الجمع بين الحقير وخطير فإن الذراع لا يعد على الإنفراد خطيرا ولم تجر عادة بالدعوة إليه ولا بإهدائه فالكلام من باب الجمع بين حقيرين وكون أحدهما أحقر من الآخر لا يقدح في ذلك ومحبته صلى اللّه عليه وآله وسلم للذراع لا يستلزم أن تكون في نفسها خطيرة ولا سيما في خصوص هذا المقام ولو كان ذلك مرادا له صلى اللّه عليه وآله وسلم لقابل الكراع الذي هو أحقر ما يهدي ويدعي إليه بأخطر ما يهدي ويدعى إليه الشاة وما فوقها ولا شك أن مراده صلى اللّه عليه وآله وسلم الترغيب في إجابة الدعوة وقبول الهدية وإن كانت إلى أمر حقير وفي شيء يسير‏.‏ وقد ترجم البخاري لهذا الحديث فقال باب القليل من الهدية وفي الحديثين المذكورين دليل على اعتبار القبول لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لقبلت وسيأتي الخلاف في ذلك‏.‏

3 - وعن خالد بن عدي ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف ولا مسألة فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه اللّه إليه‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

4 - وعن عبد اللّه بن بسر قال ‏(‏كانت أختي ربما تبعثني بالشيء إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تطرفه إياه فيقبله مني‏)‏‏.‏ وفي لفظ ‏(‏كانت تبعثني إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بالهدية فيقبلها‏)‏‏.‏

رواهما أحمد وهو دليل على قبول الهدية برسالة الصبي لأن عبد اللّه بن بسر كان كذلك مدة حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏

5 - وعن أم كلثوم بنت أبي سلمة قالت ‏(‏لما تزوج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أم سلمة قال لها إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وألقي من مسك ولا ارى النجاشي إلا قد مات ولا أرى هديتي إلا مردودة فإن ردت علي فهيلك قالت وكان كمل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وردت عليه هديته فأعطى كل إمرأة من نسائه أوقية مسك وأعطى أن سلمة بقية المسك والحلة‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث خالد بني عدي قد تقدم في باب ما جاء في الفقير والمسكين من كتاب الزكاة وأعاده المصنف ههنا للاستدلال به على أن الهدية تفتقر إلى القبول لقوله فيه فليقبله‏.‏ وحديث عبد اللّه بن بسر أخرجه أيضا الطبراني في الكبير قال في مجمع الزوائد ورجالهما يعني أحمد والطبراني رجال الصحيح وله حديث آخر أخرجه الطبراني في الكبير وفي إسناده الحكم بن الوليد ذكره ابن عدي في الكامل وذكر له هذا الحديث وقال لا أعرف هذا عن عبد اللّه بن بسر إلا الحكم هكذا هذا معنى كلامه قال في مجمع الزوائد وبقية رجاله ثقات‏.‏ وحديث أم كلثوم أخرجه أيضا الطبراني وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي وثقه ابن معين وغيره وضعفه جماعة‏.‏ وفي إسناده أيضا أم موسى بنت عقبة قال في مجمع الزوائد لا أعرفها وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏ قوله في حديث خالد فليقبله فيه الأمر بقبول الهدية والهبة ونحوهما من الأخ في الدين لأخيه والنهي عن الرد لما في ذلك من جلب الوحشة وتنافر الخواطر فإن التهادي من الأسباب المؤثرة للمحبة لما أخرجه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي وابن طاهر في مسند الشهاب من حديث محمد بن بكير عن ضمام بن إسماعيل عن موسى بن وردان عن أبي هريرة عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏تهادوا تحابوا‏)‏ قال الحافظ وإسناده حسن وقد اختلف فيه على ضمام فقيل عنه عن أبي قبيل عن عبد اللّه بن عمر أورده ابن طاهر ورواه في مسند الشهاب من حديث عائشة بلفظ ‏(‏تهادوا تزادوا حبا‏)‏ وفي إسناده محمد بن سليمان قال ابن طاهر لا أعرفه وأورده أيضا من وجه آخر عن أم حكيم بنت وداع الخزاعية وقال اسناده غريب وليس بحجة وروى مالك في الموطأ عن عطاء الخراساني رفعه ‏(‏تصافحوا يذهب الغل وتهادوا وتحابوا وتذهب الشحناء‏)‏ وفي الأوسط للطبراني من حديث عائشة ‏(‏تهادوا تحابوا وهاجروا تورثوا أولادكم مجدا واقيلوا الكرام عثراتكم‏)‏ قال الحافظ وفي إسناده نظر وأخرج في الشهاب عن عائشة ‏(‏تهادوا فإن الهدية تذهب الضغائن‏)‏ ومداره على محمد بن عبد النور عن أبي يوسف الأعشى عن هشام عن أبيه عنها والراوي له عن محمد هو أحمد بن الحسن المقري قال الدارقطني ليس بثقة وقال ابن طاهر لا أصل له عن هشام ورواه ابن حبان في الضعفاء من طريق بكر بن بكار عن عائذ بن شريح عن أنس بلفظ ‏(‏تهادوا فإن الهدية قلت أو كثرت تذهب السخيمة‏)‏ وضعفه بعائذ قال ابن طاهر تفرد به عائذ وقد رواه عنه جماعة قال ورواه كوثر بن حكيم عن مكحول عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مرسلا وكوثر متروك وروى الترمذي من حديث أبي هريرة ‏(‏تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر‏)‏ وفي إسناده أبو معشر المدني تفرد به وهو ضعيف ورواه ابن طاهر في أحاديث الشهاب من طريق عصمة بن مالك بلفظ ‏(‏الهدية تذهب بالسمع والبصر‏)‏ ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمر بلفظ ‏(‏تهادوا فإن الهدية تذهب الغل‏)‏ رواه محمد ابن غيزغة وقال لا يجوز الأحتجاج به قال في البخاري منكر الحديث وروى أبو موسى المديني في الذيل في ترجمة زعبل بالزاي والعين المهملة والباء الموحدة يرفعه ‏(‏تزاوروا وتهادوا فإن الزيارة تثبت الوداد والهدية تذهب السخيمة‏)‏ قال الحافظ وهو مرسل وليس لزعبل صحبة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فإنما هو رزق ساقه اللّه إليه‏)‏ فيه دليل على أن الأشياء الواصلة إلى العباد على أيدي بعضهم هي من الأرزاق الألهية لمن وصلت إليه وإنما جعلها اللّه جارية على أيدي العباد لاثابة من جعلها على يده فالمحمود على جميع ما كان من هذا القبيل هو اللّه تعالى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏تطرفه اياه‏)‏ بالطاء المهملة والراء بعدها فاء‏.‏ قال في القاموس الطرفة بالضم‏:‏ الاسم من الطريف والطارف والمطرف للمال المستحدث‏.‏ قال والغريب من الثمر وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيقبلها‏)‏ فيه دليل على اعتبار القبول ولأجل ذلك ذكره المصنف وكذلك حديث أم كلثوم فيه دليل على أيضا على اعتبار القبول لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما قبض الهدية التي بعث بها إلى النجاشي بعد رجوعها دل ذلك على أن الهدية لا تملك بمجرد الأهداء بل لابد من القبول ولوكانت ثملك بمجرد ذلك لما قبضها صلى اللّه عليه وآله وسلم لأنها قد صارت ملكا للنجاشي عند بعثه صلى اللّه عليه وآله وسلم بها فإذا مات بعد ذلك وقبل وصولها إليه صارت لورثته وإلى اعتبار القبول في الهبة ذهب الشافعي ومالك والناصر والهادوية والمؤيد باللّه في أحد قوليه وذهب بعض الحنفية والمؤيد باللّه في أحد قوليه إلى أن الأيجاب كاف وقد تمسك بحديث أم كلثوم أحمد وإسحاق فقالا في الهدية التي مات من أهديت إليه قبل وصولها إن كان حاملها رسول المهدي رجعت إليه وإن كان حاملها رسول المهدي إليه فهي لورثته وذهب الجمهور إلى أن الهدية لا تنتقل إلى المهدى إليه الا بأن يقبضها هو أو وكيله‏.‏ وقال الحسن أيهما مات فهي لورثة المهدى له إذا قبضها الرسول‏.‏ قال ابن بطال وقول مالك كقول الحسن‏.‏ وروى البخاري عن أبي عبيدة تفصيلا بين أن تكون الهدية قد انفصلت أم لا مصيرا منه إلى أن قبض الرسول يقوم مقام قبض المهدى إليه‏.‏ وحديث أم كلثوم هذا أخرجه أيضا الطبراني والحاكم وحسن صاحب الفتح إسناده‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ولا أرى النجاشي الا قد مات‏)‏ قد سبق في صلاة الجنازة ما يدل على أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعلم أصحابه بموت النجاشي على جهة الجزم وصلى هو وهم عليه وتقدم أنه رفع له نعشه حتى شاهده وكل ذلك يخالف ما وقع من تظننه صلى اللّه عليه وآله وسلم في هذه الرواية‏.‏

6 - وعن أنس قال ‏(‏أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بمال من البحرين فقال انثروه في المسجد وكان أكثر مال أتى به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذ جاءه العباس فقال يا رسول اللّه اعطني فأني فاديت نفسي وعقيلا قال خذ فحثى في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه إلى قال لا قال ارفعه أنت على قال لا فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يرفعه قال مر بعضهم يرفعه على قال لا قال ارفعه أنت على قال لا فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق فما زال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يتبعه وبصره حتى خفي علينا عجبا من حرصه فما قام النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وثم منها درهم‏)‏‏.‏

رواه البخاري وهو دليل على جواز التفضيل في ذوي القربى وغيرهم وترك تخميس الفيء وأنه متى كان في الفنيمة ذو رحم لبعض الغانمين لم يعتق عليه‏.‏

7 - وعن عائشة ‏(‏أن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغاية فلما حضرته الوفاة قال يا بنية أني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا ولو كنت جددته واخترثته كان لك وإنما هو اليوم مال وارث فاقتسموه على كتاب اللّه‏)‏‏.‏

رواه مالك في الموطأ‏.‏

حديث عائشة رواه مالك من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة‏.‏ وروى البيهقي من طريق ابن وهب عن مالك وغيره عن ابن شهاب‏.‏ وعن حنظلة بن أبي سفيان عن القاسم بن محمد نحوه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏بمال من البحرين‏)‏ روى ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال مرسلا أنه كان مائة ألف وأنه أرسل به العلاءبن الحضرمي من خراج البحرين قال وهو أول خراج حمل إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وروى البخاري في المغازي من حديث عمرو بن عوف إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وبعث أبا عبيدة بن الجراح إليهم فقدم أبو عبيدة بمال فسمعت الأنصار بقدومه الحديث فيستفاد منه تعيين الآتي بالمال لكن في كتاب الردة للواقدي أن رسول العلاء بن الحضرمي بالمال هو العلاء بن حارثة الثقفي فلعله كان رفيق أبي عبيدة‏.‏ وأحاديث جابر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال له قد جاء مال البحرين أعطيتك‏)‏ وفيه ‏(‏فلم يقدم مال البحرين حتى مات النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ الحديث فهو صحيح والمراد به أنه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لأنه كان مال خراج أو جزية فكان يقدم في كل سنة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏انثروه‏)‏ أي صبوه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفاديت عقيلا‏)‏ أي ابن أبي طالب وكان أسر مع عمه العباس في غزوة البدر ويقال إنه أسر معهما الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب وأن العباس افتداه أيضا وقد ذكر بن إسحاق كيفية ذلك‏.‏ قوله ‏(‏فحثى‏)‏ بمهملة ثم مثلثة مفتوحة والضمير في ثوبه يعود على العباس‏.‏ قوله ‏(‏يقله‏)‏ بضم أوله من الاقلال وهو الرفع والحمل‏.‏ قوله ‏(‏مر بعضهم‏)‏ بضم الميم وسكون الراء وفي رواية أؤمر بالهمز‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏يرفع‏)‏ بالجزم لأنه جواب الأمر ويجوز الرفع أي فهو يرفعه والكاهل بين الكتفين‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏يتبعه‏)‏ بضم أوله من الأتباع‏.‏ قوله‏(‏وثم منها درهم‏)‏ بفتح المثلثة أي هناك وفي هذا الحديث بين كرم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وعدم التفاته إلى المال قل أو كثر وإن الإمام ينبفي له ان يفرق مال المصالح في مستحقيها وأنه يجوز للامام أن يضع في المسجد ما يشترك فيه المسلمون من صدقة ونحوها‏.‏ واستدل به ابن بطال على جواز إعطاء بعض الاصناف من الزكاة‏.‏ قال الحافظ ولا دلالة فيه لأن المال لم يكن من الزكاة وعلى تقدير كونه فالعباس ليس من أهل الزكاة‏.‏

ـ فإن قيل ـ إنما أعطاه من سهم الغارمين كما أشار إليه الكرماني فقد تعقب ولكن الحق إن المال المذكور كان من الخراج أو الجزية وهما من مال المصالح انتهى‏.‏ قوله ‏(‏لم يعتق عليه‏)‏ يريد أن العباس وعقيلا قد كان غنمهما النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم والمسلمون وهما رحمان للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولعلي رضي اللّه عنه ولم يعتقا وسيأتي ما يدل على أن هذا مراد المصنف رحمه اللّه في كتاب العتق في باب ما جاء فيمن ملك ذارحم محرم ولا يظهر لذكر هذا الحديث في هذا الموضع وجه مناسبة فإن المصنف ترجم لافتقار الهبة إلى القبول والقبض وأنه على ما يتعارفه الناس فإن أراد أن قبض العباس قام مقام القبول فغير طاهر لأن تقدم سؤاله يقوم مقامه على أن المال المذكور في الحديث لم يكن للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى يكون الدفع منه إلى العباس وإلى غيره من باب الهبة بد هو من مال الخراج أو الجزية كم عرفت والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما تولى قسمته بين مصارفه‏.‏ قوله ‏(‏جاد عشرين وسقا‏)‏ بجيم وبعد الألف دال مهملة مشددة أي أعطاها مالا يجد عشرين وسقا والمراد أنه يحصل من ثمرته ذلك والجد صرام النخل وهذا الأثر يدل على أن الهبة إنما تملك بالقبض لقوله ‏(‏لو كنت جددته واحترثته كان لك‏)‏ وذلك لأن قبض الثمرة يكون بالجداد وقبض الأرض بالحرث‏.‏ وقد نقل ابن بطال اتفاق العلماء أن القبض في الهبة هو غاية القبول قال الحافظ وغفل عن مذهب فإن الشافعية يشترطون القبول في الهبة دون الهدية‏.‏

 باب ما جاء من قبول هدايا الكفار والإهداء لهم

1 - عن علي رضي اللّه عنه قال ‏(‏أهدى كسرى لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقبل منه وأهدى له قيصر فقبل واهدت به الملوك فقبل منها‏)‏

رواه أحمد والترمذي‏.‏

2 - وفي حديث عن بلال المؤذن قال ‏(‏انطلقت حتى أتيته يعني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وإذا أربع وكائب مناخات عليهن أحمالهن فأستأذنت فقال لي أبشر فقد جاءك اللّه بقضائك قال ألم تر الركائب المناخات الأربع فقلت بلى فقال إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة طعام اهداهن إلى عظيم فدك فأقبضهن واقض دينك ففعلت‏)‏‏.‏

مختصر لأبي داود‏.‏

حديث علي أخرجه أيضا البزار وأورده في التلخيص ولم يتكلم عليه ولم يذكره صاحب مجمع الزوائد في باب هدايا الكفار وقد حسنه الترمذي وفي إسناده نوير بن أبي فاختة وهو ضعيف‏.‏ وحديث بلال سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وهوحديث طويل أورده أبو داود في باب الامام يقبل هدايا المشركين من كتاب الخراج وفيه ‏(‏أن بلالا كان يتولى نفقة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان إذا أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم انسان مسلما عاريا يأمر بلالا أن يستقرض له البرد حتى لزمته ديون فقضاها عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالأربع الركائب وما عليها‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي عند النسائي قال لما قدم وفد ثقيف قدموا معهم بهدية فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أهدية أم صدقة فإن كانت هدية فإنما ينبغي بها وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقضاء الحاجة وإن كانت صدقة فإنما ينبغي بها وجه اللّه قالوا الأبل هدية فقبلها منهم‏.‏ وعن أنس عند الشيخين ‏(‏إن أكيدر دومة أهدى لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم جبة سندس‏)‏‏.‏ولأبي داود أن ملك الروم ‏(‏أهدى إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مستقة سندس فلبسها‏)‏ الحديث‏.‏ والمستقة بضم الفوقانية وفتحها الفروة الطويلة الكمين وجمعها مساتق‏.‏ وعن أنس أيضا عند أبي داود أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيرا فقبلها‏.‏ وعن علي أيضا عند الشيخين إن أكيدر دومة الجندل أهدى إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ثوب حرير فأعطاه عليا فقال شققه خمرا بين الفواطم‏.‏ وعن أبي حميد الساعدي عند البخاري قال غزونا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم تبوك وأهدى ابن العلماء للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بردا وكتب له ببحرهم وجاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم صاحب ايلة كتاب وأهدى إليه بغلة بيضاء‏.‏ الحديث وفي مسلم أهدى فروة الجذامى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بغلة بيضاء ركبها يوم حنين‏.‏ وعن بريدة عند إبراهيم الحربي وابن خزيمة وابن أبي عاصم ان أمير القبط أهدى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم جاريتين وبغلى فكان يركب البغلة بالمدينة وأخذ إحدى الجاريتين لنفسه فولدت له إبراهيم ووهب الأخرى لحسان وفي كتاب الهدايا لأبراهيم الحربي أهدى يوحنا ابن رؤبة إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بغلته البيضاء‏.‏ وعن أنس أيضا عند البخاري وغيره أن يهودية أتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بشاة مسمومة فأكل منها الحديث‏.‏ والأحاديث المذكورة في الباب تدل على جواز قبول الهدية من الكافر ويعارضها حديث عياض بن حمال الآتي وسيأتي الجمع بينها وبين‏.‏

3 - وعن أسماء بنت أبي بكر ‏(‏قالت أتتني أمي راغبة في عهد قريش وهي مشركة فسألت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أصلها قال نعم‏)‏‏.‏

متفق عليه زاد البخاري‏.‏ قال ابن عيينة ‏(‏فأنزل اللّه فيها لا ينهاكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم في الدين‏)‏ ومعني راغبة أي طامعة تسألني شيئا‏.‏

4 - وعن عامر بن عبد اللّه بن الزبير ‏(‏قال قدمت قتيلة ابنة عبد العزي بن سعد على ابنتها أسماء بهدايا ضباب واقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها فسألت عائشة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأنزل اللّه تعالى لا ينهاكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم في الدين إلى آخر الآية فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث عامر بن عبد اللّه بن الزبير ذكره المصنف هكذا مرسلا ولم يقبل عن أبيه وقد أخرجه ابن سعد وأبو داود الطيالسي والحاكم من حديث عبد اللّه بن الزبير وأخرجه أيضا الطبراني كأحمد وفي إسنادهما مصعب بن ثابت ضعفه أحمد وغيره ووثقه ابن حبان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏أتتني أمي‏)‏ في رواية للبخاري في الأدب مع ابنها وذكر الزبير إن اسم ابنها المذكور الحرث بن مدرك بن عبيد بن عمر بن محروم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏راغبة‏)‏ اختلف في تفسيره فقيل ما ذكره المصنف من أنها راغبة في شيء تأخذه من بنتها وهي على شركها وقيل راغبة في الاسلام وتعقب بأن الرغبة لوكانت في الإسلام لم يحتج إلى الأستئذان‏.‏ وقيل معناه راغبة عن ديني وقيل راغبة في القرب مني ومجاورتي ووقع في رواية لأبي داود راغمة بالميم أي كارهة للاسلام ولم تقدم مهاجرة‏.‏ قوله ‏(‏قال نعم‏)‏ فيه دليل على جواز الهدية للقريب الكافر والآية المذكورة تدل على جواز الهدية للكافر مطلقا من القريب وغيره ولامنافاة ما بين ذلك وما بين قوله تعالى ‏{‏لاتجد قوما يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادون من حاد اللّه ورسوله‏}‏ الآية فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل والآية المذكورة خاصة بمن لم يقاتل وأيضا البر والصلة والإحسان لا تستلزم التحاب والتواد المنهى عنه ومن الأدلة القاضية بالجواز قوله تعالى ‏{‏وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلاتطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا‏}‏ ومنها أيضا حديث ابن عمر عند البخاري وغيره أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كسا عمر حلة فأرسل بها إلى أخ له م أهل مكة قبل أن يسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عيينة‏)‏ الخ لا ينافي هذا ما رواه ابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في ناس من المشركين كانوا الين جانبا للمسلمين وأحسن أخلاقا من سائر الكفار لأن السبب خاص واللفظ عام فيتناول كل من كان في معنى والدة أسماء كذا قال الحافظ ولا يخفى ما فيه لأن محل الخلاف تعيين سبب النزول وعموم اللفظ لا يرفعه وقيل إن هذه الآية منسوخة بالأمر بقتل المشركين حيث وجدوا‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قتيلة‏)‏ بضم القاف وفتح الفوقية وسكون التحتية مصغرا ووقع عند الزبيري بن بكار أن اسمها قيلة بفتح القاف وسكون التحتية وضبطه ابن ماكولا بسكون الفوقية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ضباب واقط‏)‏ في رواية غير احمد زبيب وسمن وقرظ‏.‏ ووفع في نسخة من هذا الكتاب قرظ مكان اقط‏.‏ قوله ‏(‏فأمرها أن تقبل هديتها‏)‏ الخ فيه دليل على جواز قبول هدية المشرك كما دلت على ذلك الأحاديث السالفة وعلى جواز إنزاله منازل المسلمين‏.‏

5 - وعن عياض بن حمار ‏(‏أنه أهدى للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم هدية أو ناقة فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أسلمت قال لا قال أني نهيت عن زبد المشركين‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه‏.‏

الحديث صححه أيضا ابن خزيمة‏.‏ وفي الباب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عند موسى بن عقبة في المغازي أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو مشرك فأهدي له فقال اني لا أقبل هدية مشرك‏.‏ الحديث قال في الفتح رجاله ثقات الا أنه مرسل وقد وصله بعضهم ولا يصح قوله ‏(‏زبد المشركين‏)‏ بفتح الزاي وسكون الموحدة بعدها دال‏.‏ قال في الفتح هو الرقد انتهى يقال زبده بالكسر وأما بزبده بالضم فهو اطعام الزبد قال الخطابي يشبه ان يكون هذا الحديث منسوخا لانه صلى اللّه عليه وآله وسلم قد قبل هدية غير واحد من المشركين وقيل إنما ردها ليغيظه فيحمله ذلك على الاسلام وقيل ردها لان للّهدية موضعا من القلب ولا يجوز أن يميل إليه بقلبه فردها قطعا لسبب الميل وليس مناقضا لقبول هدية النجاشي وأدكيدر دومة والمقوقس لأنهم أهل كتاب كذا في النهاية وجمع الطبراني بين الأحاديث فقال الامتناع فيما أهدى له خاصة والقبول فيما أهدى للمسلمين وفيه نظر لأن من جملة أدلة الجواز السابقة ما وقعت الهدية فيه له صلى اللّه عليه وآله وسلم خاصة وجمع غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة والقبول في حق من يرجى ذلك تأنيسه وتأليفه على الأسلام قال الحافظ وهذا أقوى من الذي قبله وقيل يمتنع ذلك لغيره من الأمراء ويجوز له خاصة‏.‏ وقال بعضهم أن أحاديث الجواز منسوخة بحديث الباب عكس ماتقدم عن الخطابي ولا يخفى أن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال وكذا الأختصاص وقد أورد البخاري في صحيحه حديثا استنبط منه جواز قبول هدية الوثني ذكره في باب قبول الهدية من المشركين من كتاب الهبة والهدية‏.‏ قال الحافظ في الفتح وفيه فساد قول من حمل الهدية على الوثنى دون الكتابي وذلك‏.‏ لأن الواهب المذكور في ذلك الحديث وثني‏.‏

 باب الثواب على الهدية والهبة

1 - عن عائشة قالت ‏(‏كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي‏.‏

2 - وعن ابن عباس ‏(‏أن أعرابيا وهب للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم هبة فأثابه عليها قال رضيت قال لا فزاده قال أرضيت قال فلا فزاده قال أرضيت قال لا فزاده قال أرضيت قال نعم فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لقد هممت ألا أتهب هبة الا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه‏.‏ وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح وأخرجه أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة بنحوه وطوله الترمذي ورواه من وجه آخر وبين أن الثواب كان ست بكرات وكذا رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم قوله‏:‏ ‏(‏ويثيب عليها‏)‏ أي يعطي المهدي بدلها والمراد بالثواب المجازات وافله ما يساوي قيمة الهدية ولفظا ابن أبي شيبة ويثيب ما هو خير منها وقد أمل حديث عائشة المذكور بالأرسال قال البخاري لم يذكر وكيع ومحاضر عن هشام عن أبيه عن عائشة وفيه اشارة إلى أن عيسى بن يونس تفرد بوصله عن هشام وقال الترمذي والبزار لانعرفه الا من حديث عيسى بن يونس وقال أبو داود تفرد بوصله عيسى بن يونس وهو عند الناس مرسل انتهى‏.‏ وقد استدل بعض المالكية بهذا الحديث على وجوب المكافأة على الهدية‏.‏ إذا اطلق المهدي وكان ممن مثله يطلب الثواب كالفقير للغني بخلاف ما يهبه الأعلى للأدنى‏.‏ ووجه الدلالة منه مواضبته صلى اللّه عليه وآله وسلم ومن حيث المعنى إن الذي أهدى قصد أن يعطي أكثر مما أهدي فلا أقل أن يعوض بنظير هديته وبه قال الشافعي في القديم والهادوية ويجاب بأن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب ولو وقعت المواهبة كما تقرر في الأصول وذهبت الحنفية والشافعي في الجديد إن الهبة للثواب باطلة لا تنعقد لأنها بيع مجهول ولأن موضع الهبة التبرع‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏الا من قرشي‏)‏ الخ لفظ أبي داود ‏(‏وايم اللّه لا أقيل هدية بعد يومي هذا من أحد الا أن يكون مهاجريا أو قرشيا أو أنصاريا أو روسيا أو ثقفيا‏)‏ وسبب همه صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك ما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة قال ‏(‏أهدى رجل من فزارة إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ناقة من أبله فعوضه منها بعض العوض فتسخطه فسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول على المنبر أن رجالا من العرب يهدى أحدهم الهدية فأعوضه عنها بقدر ماعندي فيظل يسخط عليّ‏)‏ الحديث وقد كان بعض أهل العلم والفضل يمتنع هو وأصحابه من قبول الهدية من أحد أصلا لا من صديق ولا من قريب ولاغيرهما وذلك لفساد النيات في هذا الزمان حكى ذلك ابن رسلان‏.‏

 باب التعديل بين الأولاد في العطية والنهي أن يرجع أحد في عطيته إلا الوالد

1 - عن النعمان بن بشير قال ‏(‏قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

2 - وعن جابر قال ‏(‏قالت امرأة بشير انحل ابني غلاما وأشهد لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال إن ابنة فلان سألتني أن انحل ابنها غلامي فقال له أخوة قال نعم قال فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته قال لا قال فليس يصلح هذا وأني لا أشهد إلا على حق‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود ورواه أحمد من حديث النعمان بن بشير وقال فيه ‏(‏لا تشهدني على جور أن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم‏)‏‏.‏

3 - وعن النعمان بن بشير ‏(‏أن أباه أتى به رسول اللّه فقال اني نحلته ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أكل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا فقال فارجعه‏)‏ ‏.‏

متفق عليه ولفظ مسلم قال ‏(‏تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فانطلق أبي إليه يشهده علي صدقتي فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أفعلت هذا بولدك كلهم قال لا فقال اتقوا اللّه واعدلوا في أولادكم فرجع أبي في تلك الصدقة‏)‏ وللبخاري مثله لكن ذكره بلفظ العطية لا بلفظ الصدقة‏.‏

حديث النعمان بن بشير الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات إلا المفضل بن المهلب بن أبي صفرة وهو صدوق‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس عن الطبراني والبيهقي وسعيد بن منصور بلفظ ‏(‏سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء‏)‏ وفي إسناده سعيد بن يوسف وهو ضعيف وذكر ابن عدي في الكامل أنه لم يرله أنكر من هذا وقد حسن الحافظ في الفتح إسناده قوله‏:‏ ‏(‏اعدلوا بين أولادكم‏)‏ تمسك به من أوجب التسوية بين الأولاد في العطية وبه صرح البخاري وهو قول طاوس والثوري وأحمد وإسحاق وبعض المالكية قال في الفتح والمشهور عن هؤلاء أنها باطلة وعن أحمد تصح ويجب أن يرجع وعنه يجوز التفاضل إن كان له سبب كأن يحتاج الولد لزمانته أو دينه أو نحو ذلك دون الباقين‏.‏

وقال أبو يوسف تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الأضرار

وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فإن فضل بعضا صح وكره وحملوا الأمر على الندب وكذلك حملوا النهي الثابت في رواية لمسلم بلفظ ‏(‏أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء قال بلى قال فلا أذن‏)‏ على التنزيه

وأجابوا عن حديث النعمان بأجوبة عشرة ذكرها في فتح الباري وسنوردها ههنا مختصرة مع زيادات مفيدة فقال‏.‏

أحدها إن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده حكاه ابن عبد البر وتعقبه بأن كثيرا من طرق الحديث مصرحة بالبعضية كما في حديث الباب إن الموهوب كان غلاما وكما في لفظ مسلم المذكور قال ‏(‏تصدق على أبي ببعض ماله‏)‏

الجواب الثاني إن العطية المذكورة لم تنجز وإنما جاء بشير يستشير النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في ذلك فأشار عليه بأن لا يفعل فترك حكاه الطبري ويجاب عنه بأن أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم له بالارتجاع يشعر بالتنجيز وكذلك قول عمرة لا أرضى حتى تشهد اله‏.‏

الجواب الثالث إن النعمان كان كبيرا ولم يكن قبض الوهوب جاز لأبيه الرجوع ذكره الطحاوي‏.‏ قال الحافظ وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث خصوصا قوله ارجعه فإنه يدل على تقدم وقوع القبض والذي تظافرت عليه الروايات أنه كان صغيرا وكان أبوه قابضا له لصغره فأمره برد العطية المذكورة بعدما كانت في حم المقبوض‏.‏

الرابع إن قوله ارجعه دليل الصحة ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع وإنما أمره الرجوع لأن للوالد أن يرجع فيما وهب لولده وإن كان الأفضل خلاف ذلك لكن استحباب التسوية رجح على ذلك فلذلك أمره به قال في الفتح وفي الأحتجاج بذلك نظر والذي يظهر أن معنى قوله أرجعه أي لا تمض الهبة المذكورة ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة‏.‏

الخامس أن قوله أشهد على هذا غيري أذن بالأشهاد على ذلك وإنما امتنع من ذلك لكونه الامام وكأنه قال لا أشهد لان الأمام ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم حكاه الطحاوي وارتضاه ابن القصار وتعقب بأنه لا يلزم من كون الامام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تعينت عليه والأذن المذكور مراد به التوبيخ لما تدل عليه بقية ألفاظ الحديث‏.‏ قال الحافظ وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع وقال ابن حبان قوله أشهد صيغة أمر والمراد به نفي الجواز وهي كقوله لعائشة ‏(‏اشترطي لهم الولاء‏)‏ اه ويؤيد هذا تسميته صلى اللّه عليه وآله وسلم لذلك جورا كما في الرواية المذكورة في الباب‏.‏

السادس التمسك بقوله ألا سويت بينهم على أن المراد بالأمر الاستحباب وبالنهي التنزيه قال الحافظ وهذا جيد لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة ولاسيما رواية سو بينهم‏.‏

السابع قالوا المحفوظ في حديث النعمان ‏(‏قاربوا بين أولادكم‏)‏ لا سووا وتعقب بأنكم لا توجبون المقاربة كما لا توجبون التسوية‏.‏

الثامن في التشبيه الواقع بينهم في التسوية بينهم بالتسوية منهم في البر قرينة تدل على أن الأمر للندب ورد بأن إطلاق الجور على عدم التسوية والنهي عن التفضيل يدلان على الوجوب فلا تصلح تلك القرينة لصرفهما وإن صلحت لصرف الأمر‏.‏

التاسع ما تقدم عن أبي بكر من نحلته لعائشة‏.‏ وقوله لها فلو كنت احترثته كما تقدم في أول كتاب الهبة وكذلك ما رواه الطحاوي عن عمر أنه نحل ابنه عاصما دون سائر ولده ولو كان التفضيل غير جائز لما وقع من الخليفتين‏.‏ قال في الفتح وقد أجاب عروة عن قصة لعائشة بأن اخوتها كانوا راضين ويجاب بمثل ذلك عن قصة عاصم اه على أنه لا حجة في فعلهما لا سيما إذا عارض المرفوع‏.‏

العاشر ان الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله لتمليك الغير جاز له أن يخرج بعض أولاده بالتمليك لبعضهم ذكره ابن عبد البر‏.‏ قال الحافظ ولا يخفى ضعفه لأنه قياس مع وجود النص اه ‏.‏

فالحق أن التسوية واجبة وان التفضيل محرم

واختلف الموجبون في كيفية التسوية فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية العدل أن يعطي الذكر حظين كالميراث واحتجوا بأن ذلك حظه من المال لو مات عنه الواهب وقال غيرهم لا فرق بين الذكر والأنثى وظاهر الأمر بالتسوية معهم ويؤيده حديث ابن عباس المتقدم‏.‏ قوله ‏(‏وعن النعمان بن بشير أن أباه‏)‏ الخ قد روى هذا الحديث عن النعمان عدد كثير من التابعين منهم عروة بن الزبير عند مسلم والنسائي وأبي داود وأبو الضحى عند النسائي وابن حبان وأحمد والطحاوي والمفضل بن المهلب عند أحمد وأبي داود والنسائي وعبد اللّه بن عتبة بن مسعود عند أحمد وعون بن عبد اللّه عند أبي عوانة والشعبي عند الشيخين وأبي داود وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حابن وغيرهم وقد رواه النسائي من مسند بشيء والد النعمان فشذ بذلك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏نحلت ابني هذا‏)‏ بفتح النون والحاء المهملة أي أعطيت والنحلة بكسر النون وسكون المهملة العطية بغير عوض‏.‏ قوله ‏(‏غلاما‏)‏ في رواية لابن حبان والطبراني عن الشعبي أن النعمان خطب بالكوفة فقال ان والدي بشير بن سعد أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال ان عمرة بنت رواحة نفست بغلام وأني سميته النعمان وأنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديثة من أفضل مال هو لي وأنها قالت أشهد على ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وفيه قوله لا أشهد على جور وجمع ابن حبان بين الروايتين بالحمل على واقعتين احداهما عند ولادة النعمان وكانت العطية حديقة والأخرى بعد أن كبر النعمان وكانت العطية عبدا قال في الفتح وهو جمع لا بأس به الا أنه يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة حتى يعود إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فيستشهده على العطية الثانية بعد أن قال له في الأولى لا أشهد على جور وجوز ابن حبان أن يكون بشير ظن نسخ الحكم وقال غيره يحتمل أن يكون حمل الأمر الأول على كراهة التنزيه أو ظن أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد لأن ثمن الحديقة في الأغلب أكثر من ثمن العبد‏.‏ قال الحافظ ثم ظهر وجه آخر من الجمع يسلم من هذا الخدش ولا يحتاج إلى جوابه وهو أن عمرة لما امتنعت من تربيته الا أن يهب له شيئا يخصه به وهبه الحديثة المذكورة تطيبا لخاطرها ثم بدا له فارتجعها لأنه لم يقبضها منه غيره فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو سنتين ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلاما ورضيت عمرة بذلك الا أنها خشيت ان يرتجعه أيضا فقالت له أشهد على ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم تريد بذلك تثبيت العطية وان تأمن رجوعه فيها ويكون مجيئه للاشهاد إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مرة واحدة وهي الأخيرة وغاية ما فيه ان بعض الرواة حفظ مالم يحفظ غيره أو كان النعمان يقص بعض القصة تارة وبعضها أخرى فسمع كل ما رواه فاقتصر عليه اه ولا يخفى ما في هذا الجمع من التكلف وقد وقع في رواية عند ابن حبان عن النعمان قال سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله زاد مسلم والنسائي من هذا الوجه فالتوى بها سنة أي مطلها وفي رواية لابن حبان أيضا بعد حولين ويجمع بينهما بأن المدة كانت سنة وشيئا فجبر الكسر تارة وألغاه أخرى‏.‏

وفي رواية له قال فأخذ بيدي وأنا غلام ولمسلم انطلق بن أبي يحملني إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ويجمع بينهما بأنه أخذ بيده فمشي معه بعض الطريق وحمله في بعضها لصغر سنه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فقال ارجعه‏)‏ لفظ مسلم أردده وله أيضا النسائي فرجع فرد عطيته‏.‏ ولمسلم أيضا فرد تلك الصدقة زاد في رواية لابن حبان لا تشهدني على جور ومثله لمسلم وقد تقدم لابن حبان أيضا والطبراني مثل ذلك وذكر هذا اللفظ البخاري تعليقا في الشهادات‏.‏ وفي رواية لابن حبان من طريق أخرى لا تشهدني أذن فأني لا أشهد على جور‏.‏ وله في طريق أخرى أيضا فأني لا أشهد على جور أشهد على هذا غيري وله وللنسائي من طريق أخرى فأشهد على هذا غيري ولعبد الرزاق عن طاوس مرسلا لا أشهد لا على الحق لا أشهد بهذه‏.‏ وللنسائي فكره أن يشهد له‏.‏ وفي رواية لمسلم اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر‏.‏ ولأحمد أيسرك أن يكونوا اليك في البر سواء قال بلى قال فلا أذن‏.‏ ولأبي داود ان لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم كما لك عليهم أن يبروك‏.‏ وللنسائي ألا سويت بينهم‏.‏ وله ولابن حبان سو بينهم‏.‏ قال الحافظ واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى معنى واحد‏.‏ قوله ‏(‏أفعلت هذا بولدك كلهم‏:‏ قال مسلم أما معمل ويونس فقالا أكل بينك وأما الليث وان عيينة فقالا أكل ولدك قال الحافظ ولا منافاة بينهما لأن لفظ الولد يشمل الذكور والإناث وأما لفظ البنين فإن كانوا ذكورا فظاهر وإن كانوا إناثا وذكورا فعلى سبيل التغليب‏.‏

4 - وعن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال العائد في هبته كالعائد يعود في قيئه‏)‏‏.‏

متفق عليه وزاد أحمد والبخاري ‏(‏ليس لنا مثل السوء‏)‏ ولأحمد في رواية قال قتادة ولا أعلم القئ الاحراما‏.‏

5 - وعن طاوس ان ابن عمر وابن عباس رفعاه إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده مثل الرجل يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم رجع في قيئه‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي‏.‏

حديث طاوس أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه قوله‏:‏ ‏(‏العائد في هبته‏)‏ الخ استدل بالحديث على تحريم الرجوع في الهبة لان القئ حرام فالمشبه به مثله ووقع في رواية أخرى للبخاري وغيره كالكلب يرجع في قيئه وهي تدل على عدم التحريم لان الكلب غير متعبد فالقئ ليس حراما عليه وهكذا قوله في حديث طاوس المذكور كمثل الكلب الخ وتعقب بأن ذلك للمبالغة في الزجر كقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم فيمن لعب بالنرد ‏(‏فكأنما غمس يده في لحم خنزير‏)‏ وأيضا الرواية الدالة على تحريم غير منافية للرواية الدالة على الكراهة على تسليم دلالتها على الكراهة فقط لأن الدال على التحريم قد دل على الكراهة وزيادة وقد قدمنا في باب نهي المتصدق أن يشتري ما تصدق به من كتاب الزكاة عن القرطبي أن التحريم هو الظاهر من سياق الحديث وقدمنا أيضا أن الأكثر حملوه على التنفير خاصة لكونه القئ مما يستقذر ويؤيد القول بالتحريم قوله ليس لنا مثل السوء وكذلك قوله لا يحل للرجل‏.‏ قال في الفتح وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض ذهب جمهول العلماء إلا هبة الوالد لولده وستأتي‏:‏ وذهبت الحنفية والهادوية إلى حل الرجوع في الهبة دون الصدقة الا إذا حصل مانع من الرجوع كالهبة لذي رحم ونحو ذلك مما هو مذكور في كتب الفقه من الموانع‏.‏ قال الطحاوي ان قوله لا يحل لا يستلزم التحريم قال وهو كقوله لا تحل الصدقة لغني وإنما معناه لا يحل له من حيث يحل لغيره من ذوي الحاجة وأراد بذلك التغليظ في الكراهة قال الطبري يخص من عموم هذا الحديث من وهب بشرط الثواب ومن كان والدا والموهوب له ولده والهبة لم تقبض والتي ردها الميراث إلى الواهب لثبوت الأخبار باستثناء كل ذلك وأما ما عدا ذلك كالغني يثيب الفقير ونحو م يصل رحمه فلا رجوع قال ومما لا رجوع فيه مطلقا الصدقة براد ثوب الآخرة قال في الفتح اتفقوا على أنه لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض اه وقد أخرج مالك عن عمر أنه قال من وهب هبة يرجو ثوابها فهي رد على صاحبها ما لم يثب منه‏.‏ ورواه البيهقي عن ابن عمر مرفوعا وصححه الحاكم قال الحافظ صححه الحاكم من رواية ابن عمر عن عمر ورواه عبد اللّه بن موسى مرفوعا قيل وهو وهم‏.‏ قال الحافظ صححه الحاكم وابن حزم ورواه ابن حزم أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها‏.‏ وأخرجه أيضا ابن ماجه والدارقطني ورواه الحاكم من حديث الحسن عن سمرة مرفوعا بلفظ ‏(‏إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع‏.‏ ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس قال الحافظ وسنده ضعيف‏.‏ قال ابن الجوزي أحاديث ابن عمر وأبي هريرة وسمرة ضعيفة وليس منها ما يصح‏.‏ وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس مرفوعا وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب عليها فإن رجع في هبته فهو كالذي يقئ ويأكل منه فإن صحت هذه الأحاديث كانت مخصصة لعموم حديث الباب فيجوز الرجوع في الهبة قبل الأثابة عليها ومفهوم حديث سمرة يدل على جواز الرجوع في الهبة لغير ذي الرحم قوله ‏(‏إلا الوالد فيما يعطي ولده‏)‏ استدل به على أن للأب أن يرجع فيما وهب لابنه وإليه ذهب الجمهور وقال أحمد لا يحل للواهب أن يرجع في هبته مطلقا وحكاه في البحر عن أبي حنيفة والناصر والمؤيد باللّه تجريجا له‏.‏ وحكى في الفتح عن الكوفيين أنه لا يجوز للأب الرجوع إذا كان الابن الموهوب له صغيرا أو كبيرا وقبضها وهذا التفضيل لا دليل عليه واحتج المانعون مطلقا بحديث ابن عباس المذكور في الباب ويرد عليهم الحديث المذكور بعده المقترن بمخصصه‏.‏ ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور والأحاديث الآتية في الباب الذي بعد هذا المصرحة بأن الولد وما ملك لأبيه فليس رجوعه في الحقيقة رجوعا وعلى تقدير كونه رجوعا فربما اقتضته مصلحة التأديب ونحو ذلك‏.‏ واختلف في الأم هل حكمها حكم الأب في الرجوع أم لا فذهب أكثر الفقهاء إلى الأول كما قال في صاحب الفتح واحتجوا بأن لفظ الوالد يشملها وحكى في البحر عن الأحكام والمؤيد باللّه وأبي طالب والأمام يحيى أنه لا يجوز لها الرجوع إذ رجوع الأب مخالف للقياس فلا يقاس عليه والمالكية فرقوا بين الأب والأم فقالوا للأم أن ترجع إذا كان الأب حيا دون ما إذا مات وقيدوا رجوع الأب بما إذا كان الابن الموهوب له لم يستحدث دينا أو ينكح وبذلك قال إسحاق والحق أنه يجوز للأب بما الرجوع في هبته لولده مطلقا وكذلك الأم إن صح إن لفظ الوالد يشملها لغة أو شرعا لأنه خاص وحديث المنع من الرجوع عام فيبنى العام على الخاص‏.‏ قال في المصباح الوالد الأب وجمعه بالواو والنون والوالدة الأم جمعها بالأف والتاء والوالدان الأب والأم للتغليب اه وحديث سمرة المتقدم بلفظ ‏(‏إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع‏)‏ مخصص بحديث الباب لأن الرحم على فرض شموله للابن أعم من هذا الحديث مطلقا وقد قيل ان الرحم غلب إلى غير الولد فهو حقيقة عرفية لغوية فيما عداه فإن صح ذلك فلا تعارض‏.‏